عن الرواية العراقية

 

أطلعتُ مؤخراً على ثلاث مسودات روايات لمبدعين عراقيين أصدقاء. بعد متعة قراءة هذه المخطوطات الروائية القيمة خرجت بخلاصة تؤكد قناعتني بأن حال الرواية العراقية في أزدهار كبير كماً ونوعاً.

ورغم أن كُتاب هذه المسودات لم يشتهروا محلياً وعربياً كروائيين (الأول مترجم والثاني شاعر والثالث قاص) ألا أنهم كتبوا نصوصاً ستشكل حتما إضافة نوعية للمنجز الروائي العراقي المتميز. حيث راعت هذه النصوص العناصر الفنية في بناء الرواية. فضلا عن ما تحتويه هذه الروايات من بحث تاريخي عميق ومثير في مواضيع إنسانية ومعرفية وسياسية ودينية مثار أهتمام ليس فقط  لدى القاريء العراقي بل العربي والعالمي أيضا. مواضيع مدروسة بشغف الباحث المجرد ومصبوبة في بوتقة الرواية بحرفية عالية.

ثلاث روايات عراقية سترى النور مستقبلاً (واحدة ستنشر قريباً جداً عن دار نشر مرموقة). وربما ستحققن نجاحاً كبيراً رغم أن هذا ليس هو الهم الأساسي الذي يشغل بال هؤلاء المبدعين الثلاثة. فهم يسعون، كما أكدوا لي ذلك في مكالمات هاتفية، لإيصال رسالة معينة إلى القراء من خلال سرد حكاية لبطل عراقي. فكل عراقي له ألف حكاية وحكاية ليسردها. فالذي مر به العراقي سابقاً وما يمر فيه الآن يستحق أكثر من رواية للبوح. إذن، لتكن الرواية هي متنفسه الرحب لمواجهة هذا الأختناق. اختناق كرسه صراع الآيدولوجيات والمذاهب والقوميات وما شابه.  

 أنا مع أن يجرب الجميع كتابة الرواية لأنها الفضاء الأوسع والأكثر حميمية للتعبير عن المحنة. شجعوا وخذوا بيد كل من يرغب بسرد روايتة حيث الرغبة "سبب كاف للخوض في سرد احداث..." كما يقول أمبرتو أيكو في (آليات الكتابة السردية).

زيادة الأصدارات الروائية وقوة الإقبال عليها من القراء هي بالتأكيد حالة صحية تحسب لأي مجتمع. هي ظاهرة تساهم، برأيي، في دفع عجلة الوعي الجماهيرى إلى الأمام. والإسهام في تعميق الوعي النقدي وتفكيك الأفكار الشمولية والحث على نبذ العنف والتشجيع على التسامح والسلام. أليس هذا هو جل ما تحتاج له مجتمعاتنا العربية لمواجهة الخراب الأعظم الذي تعيشه؟ خراب منقطع النظير أنعشه التطرف الديني.

 أما الذي يستهجن غزارة الأنتاج الروائي ويعده شيئا يسيء الى المنجز الروائي العام ويمس قدسية هذا الفن عليه بدل هذه السلبية أن يسعى لتعليم الآخرين وتقديم نصائحه ونقوده التقويمية الأرشادية والتشجيع على إقامة ورش عمل روائية إلخ.

عندما قرأت مسودات هذه الروايات العراقية الثلاث تذكرت أخبار نجاحات الرواية العراقية المفرحة في السنين القليلة الآخيرة كفوز المبدع أحمد سعداوي بجائزة البوكر عن رواية "فرانكشتاين في بغداد" الصادرة عن دار الجمل التي يملكها الشاعر العراقي خالد المعالي وترجمة هذه الرواية للغات عديدة وتحويلها الى فلم هوليودي. وكذلك انتشار روايات علي بدر عربياً وعالمياً، وفوز رواية "حدائق الرئيس" لمحسن الرملي بجائزة رابطة القلم للترجمة الأنكليزية فضلاً عن ترجمة رواياته الأخرى، وكذلك ترجمة روايات إنعام كي جي وسنان أنطوان وعبد الهادي سعدون وغيرهم الكثير. كذلك ترشيح أربع روايات عراقية للقائمة الطويلة لجائزة البوكر مؤخراً (دورة العام 2017، ثلاث منها صدرت عن دور نشر عراقية). وفوز الروائي العراقي عباس خضر بجائزة "لويك" السويسرية وجائزة "ماينتز شتاتشرايبر" هذا العام (2017)، وهي واحدة من أهم الجوائز الأدبية الألمانية وغيرها من الأنجازات الأدبية المهمة التي تؤكد على أهمية الرواية العراقية والروائي العراقي على الصعيد العربي والعالمي. أقول عندما تذكرت هذه الأخبار قلت مع نفسي إنه يجب إعادة النظر بتلك العبارة الشهيرة وغير الدقيقة: "مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ". عبارة ارتجالية تصور العراقي وكأنه مجرد مستهلك، غير منتج.

 اليوم أصبحت معظم الدول العربية منتجة للفكر والأدب والكثير منها، بنسب متفاوته، لها القدرة على الطباعة. فمن الأصح القول، "العراق يكتب ويطبع والعالم كله يقرأ".

2017