رواية "الشهر الثالث عشر" ومحاولة الثورة ضد الخرافة

 

ربما يكون اعتماد رواية "الشهر الثالث عشر"  لأحمد سعداوي الأخيرة ، الصادرة عن منشورات نابو في بغداد، على تقانة الحكاية الرمزية هو بسبب سعيها لطرح مفهوم الثورة ضد سلطة الخرافة المقدسة، وليس فقط ضد السلطة السياسية القائمة في عراق ما بعد ٢٠٠٣.

فالكاتب العراقي اليوم قد يجد هامشاً من الحرية – ولو ضئيلاً- في نقد السلطة السياسية، في الوقت الذي ينعدم فيه كلياً هذا الهامش عندما يتعلق الأمر بسلطة المقدس وسدنتها من رجال الدين. السلطة الحاكمة الفعلية. وطبعاً يمتد هذا المنع إلى تناول الشخصيات الدينية المقدسة بطريقة لا تتناغم مع المألوف. خطوط بلون الدم عريضة وقاسية تمتد من نقطة موغلة في التاريخ إلى اللحظة الراهنة.

لذا اختار الراوي زمناً متخيلاً (ربما أربعينيات القرن العشرين)، ومكاناً مفترضاً (ناحية الإمجعْبزة) ليحكي لنا حكاية، تشبه أشعة أكس، تكشف الهيكل العظمي لمايدور من متغيرات وعوامل مهيمنة على الذهنية الجمعية والقرار السياسي في عراق اليوم.

يهرب الطالب الجامعي “عايد" من بطش السلطة ليختبئ عند أهله في تلك الناحية الجنوبية بعد مشاركته بانتفاضة "الشهر الثالث عشر" الشبابية في بغداد، والتي خرجت ضد ظلم وفساد الأحزاب السياسية الحاكمة. يرافقه طائر الهدهد أو جوهر الثورة \ روح الثائر، "تذكر كلاماً سمعه في طفولته من جدته الراحلة (وظفة) بإن روح الإنسان اللائبة غير المرتاحة تطفو من جسده لحظة الموت وتتحوّل إلى طائر، تبقى الروح \ الطائر تدور وتتجول في الأنحاء من دون أكل ولا شرب، وليس لها من هدف سوى أن تري نفسها للناس. روح تتحول إلى شيء مادي قابل للرؤية، هذا هدفها، وتبقى في طيران لائب حتى ينهكها الجوع والعطش فتقع على الأرض ميته، أو ربما تتحّرر الروح أخيراً من هيأة الطير، وتعود إلى بارئها" ص15.

  لكنه يكتشف بإن الثورة الحقيقة هي في مكان آخر، بعيداً عن عاصمة القرار السياسي. ثورة يتحتم قيامها ضد سلطة أبي صلاح، "الرجل الغامض صاحب الكرامات والعطايا الكثيرة لأهالي الناحية" ص8. عجوز أعمى لا ير العالم ولا العالم يراه، لكنه يعرف كل ما يدور في الناحية من خلال عمله في بدالة الهاتف، إذ يتنصت على مكالمات الناس. ويتصل هذا الرجل الغامض بالآخرين عن طريق ابنه الذي لا يتحدث مثل أبناء الناحية، ".. ثم وجدت أن لكنته تشبه حديث شيخ في جامع تزعجها أكثر، (لماذا لا يتحدث مثلنا؟.. أليس من أبناء الناحية أم هو هبط من السماء؟)" ص9.   

بعد أن يكتشف عايد \ الوطني الثائر زيف أبي صلاح \ المقدس الخفي يقوم بثورة ضده لوحده في ناحية الإمجعْبزة، " كان يضرب بعصاه الخشبية على الباب ولا يفهم لماذا صارت بعض الشعارات التي ألفها لتظاهرات الطلبة خلال السنة الماضية تطفو على لسانه. كان يرددها بحمية مع نفسه من دون إمكانية لسماعها من الآخرين. إنه ربما يقوم هنا بحركته الخاصة، أو يفرغ في مكان غريب بعيدٍ عن الساحات في العاصمة، طاقة رفض تمور في صدره على الدوام" ص 143.

 لكنه يفشل ويعامل كمخرب، ".. هل تعرفون ما سيحدث للمخربين؟ سيجلسونهم على قناني الببسي .. حينها ينسون كل الأفكار المخرّبة وإلى الأبد" ص146. بل تتحول هذه المجازفة الجنونية في اقتحام بيت أبي صلاح \ بدالة الهاتف إلى معجزة تكرس قدسية هذا الرجل الغامض، فبعد أن انتهت مواجهة عايد لأبي صلاح يقترب الناس، "أكثر من الباب الذي عليه الصورة الجليلة الباسمة كي يأخذوا البركات منها، بل ويحمل بعضهم كسراً من الحناء المقدس الساقط على الأرض كذكرى أثيرة عن واحدة من المعاجز الاستثنائية التي لا يحدث مثلها كل يوم في ناحية الإمجعبزة والقرى المجاورة لها" ص147.

إذا عرفنا بأن أي نص أدبي يسعى لبث شفرة ما من خلال نسيج الكلمات وسجادة الحكاية فإن نص "الشهر الثالث عشر" ربما يريد القول إن الثورة أو الخطوة الأولى في طريق الألف ميل نحو التغيير الحقيقي هي في التحرر من سلطة الخرافة الكامنة في الوعي الجمعي.  


 نخيل عراقي