مقالة منشورة في صحيفة العالم الجديد



عراقي وبس



من مساوئ الحرب الطائفية على العراقي الذي يعيش في بلاد الغربة أن عليه الإجابة عن السؤال المقيت: "من أي طائفة أنت؟". فمجرد أن تقول إنك عراقي يأتيك هذا السؤال (كفخ بالوجه).



أمقتُ هذا السؤال كثيراً وأتعمد التهرب منه. لا أجد أي مبرر لهؤلاء لطرح هذا السؤال حيث يمكنني توضيح رأيي عما يدور من خراب في بلادنا دون أن أفصح عن الطائفة التي لا تربطني أي رابطة فكرية بها عدا كونها ورثا عائليا، إذ أن الدين هو (صدفة
جغرافية)، فلو ولدتُ في مكان آخر لارتبطت بطائفة أخرى، أو ربما دين آخر.

لكن للأسف أنك تجد الآن الكثير ممن ينظر للآخرين من خلال منظار الطائفة لتعليبهم ووضعهم في خانة ما. أحيانا في خانة العدو أو الصديق. أعتقد أيضا أن الذي لا يكتفي بجواب (أنا عراقي وبس) ويصر على معرفة طائفتي قبل الخوض في النقاش السياسي هو ربما يضمر شيئاً يخاف التصريح به أمامي. بمعنى أنه قد ينحاز الى جانب معين ضد الآخر. وهذه اللاحيادية أمقتها أيضاً حيث أنني، كإنسان أولاً ومثقف ثانياً، أحرصُ على أن أكون حياديا ولا أنحاز إلا للإنسانية. أؤمن تماماً بمقولة الروائي والفيلسوف
الفرنسي البير كامو (المثقف من يستطيع عقله مراقبة نفسه).

آخر مرة حاول شخص سؤالي عن طائفتي كانت عصر أمس عندما أخذت ابني أوروك إلى عيادة الطبيب لمعالجته من نزلة برد. بعد أن دخل علينا الطبيب في غرفة الفحص وبيده فايل أوروك، وبعد أن شرحت له ما يعانيه أوروك، خمنَ من ملامحي بأنني عربي. أنا أعرف مسبقاً أنه عربي عندما قالت لي موظفة الاستعلامات اسم الطبيب المتواجد حينها، وتأكد لي ذلك من ملاحمه ولكنته. سألني إن كنت أتحدث العربية. نعم، أجبته بالعربي. قال إنه من ليبيا، ثم سألني عن بلدي:
من العراق، قلت.
هممم! العراق تمزق يا أخي. من أي مدينة؟
بغداد.
هممم! من وين، من الكرخ لو الأعظمية؟
لا أعرف من أين أتى بهذه المعلومة كون بغداد منقسمة إلى كرخ وأعظمية. واضح تماماً أنه يريد أن يعرف ما هي طائفتي. فقلت له لغرض تشويش معلوماته "لا، آني من الرصافة". كان يضع سماعته على صدر أوروك عندما قلت عبارتي. لا حظته يغمض عينيه نصف إغماضة وكأنه يريد مراجعة معلوماته. ربما ردد مع نفسه، رصافة... رصافة.
همممم! قال وهو يرمش عينيه بسرعة ثم صمت لبرهة.
بعدها مسك فايل أوروك ودقق بالاسم مرة ثانية وقال "أوروك. هذا الاسم سرياني لو كلداني؟".
لا هذا الاسم سومري.
لحظتُ الصدمة على ملامحه، وهو يعدل نظارتيه بيده اليمنى قائلاً، "همممممم. انتة كَلت من وين، من بغداد؟".
نعم من بغداد.
حك فروة رأسه وبرطم وقال "هممممممممممممممممم!".
ثم غط بحيرته ولم يسألني عن أي شيء آخر عدا ما يخص حالة أوروك الصحية.