رأي الأستاذة عشتار سومر في رواية "قشور بحجم الوطن"

 



شلّك عليّ يازمن وشرايد

انطيتك اللي تريده وزايد

 

كانت اول كلمات قد رنّت بعقلي بعد كلمة " انتهت" لرواية ميثم سلمان( قشور بحجم الوطن ).

ثم عدتُ وصححتُ ترنيمة الاغنية التسعينية :

شلّك علينا يا ميثم وشرايد

أَنطينا اللي نريده وزايد ...


 

وانا ادندن، تخيّلتُني مواطن من فلسطين، او من سوريا ، ثم تراجعتُ وعدتُ لعراقيّتي، فالعراقي يملك خبرة فوق الكافية في معنى التهجير والحرب والاغتراب، وربما استحق الجائزة الاولى في ارتداء وسام المعاناة. ولذا، ومن جديد، يبرع كتّاب المهجر في تدوين روايات الحزن الاصيل والخوف العتيق..

بداية الرواية كانت على نحوٍ ما تنبئ عن حيرة وتقلّب وتساؤلات غير مفهومة ما بين محمد وحسين . فيما بعد تبيّن انهما ذات الانسان العراقي الموجوع و المغترب في كندا، و الذي لبس القناع القشري كي يتحوّل الى احدهما ساعة التذكر ..

الانسحاق الدائم بسبب غربة الذات والتغرّب عن الوطن وصعوبة تحقيق الاحلام جعلتني اعيش في غربات مبطّنة ..شعرتُ بها على مدار جريان الكلمات تحت ظلال أهدابي المبتلّة... الحَيرة ظلت ترافقني، والتغرّب عن ما يمكن ان يشعر به الانسان لو جَرُأ على الحلم ..

الخيال هو ذاك المنقِذ الذي يستعين به اي فرد واعي، سيغرّبه عن واقعه، وسينهش صدره بأرجلٍ تشبه أرجل الجرادة ..مسننّة، حادة، لعينة ولا تموت، بل تتكاثر لتشكل موسم هجرة كامل يأكل ما تحت وجه اي انسان ..

من انا بعد قشور الوطن؟ من هو محمد ومن هو ميثم ومن هو حسين؟! ...

لا ندري.. فكلنا غرباء نودّ الانتحار بعد ان تطول الحياة على نحو لا نريده ....

احسنت ميثم سلمان ..لكم اعجبني الحزن الشفيف الذي حملته الرواية مع واقعيتها ..

شكرا لك لأني لم اعرف سوى ان اغني اغنية الحيرة تلك، فاعرف سعادة ما انا فيه حقا وقد كنت لا ارضاه ..اذ إني صعبة الارضاء، مليئة بالتذمر كأغلب ابناء هذا الوطن ..

" قشور بحجم الوطن" ست وثمانون صفحة تحكي عن ست وثمانون قشرة غطّت جسد ابناء الوطن و أنستهم محاكمة التاريخ من ان يوصمهم بما ليس فيهم ..

# اغتراب

# عشتار_سومر






الرأي منشور على صفحتها الشخصية في (فيسبوك)عشتار سومر

محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر

 محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر

تمهيد

قبل فترة تولدت لدي رغبة في التعرف على شخصية الإمام الثاني عشر عند الشيعة محمد بن الحسن العسكري، الملقب بالإمام الغائب، وكذلك لفهم فكرة انتظار المنقذ والغيبة عند الشيعة الإثني عشرية حصراً (وليس كما تراه السنة أو الطوائف الإسلامية الأخرى). وهذه الرغبة لم تأت إعتباطاً، بل أحسبها ضرورة للوقوف على واحدة من أهم الشخصيات المقدسة عند الشيعة، إذ تعتبر من صميم العقيدة الشيعية، بل يعد عدم الإيمان بها ووجودها تاريخياً نسفاً لفكرة الإمامة أو القيادة السياسية الدينية. إضافة إلى ذلك، لما صارت لهذه الشخصية من حضور فاعل وتأثير قوي في عراق مابعد الغزو الأمريكي. وهذا التأثير لم يكن فقط على المواطن العراقي فحسب بل أيضاً على المشهد السياسي ككل. فقد تم تشكيل جيش باسم المهدي كان يقاتل الأمريكان في بداية أعوام الاحتلال، زيادة على دوره البارز في الحرب الطائفية خلال الأعوام 2006 / 2007م. لكن هذا الجيش تمت تجميد عملياته بأمر زعيمه مقتدى الصدر، وقد أنتبثقت فصائل مسلحة أخرى عنه. لينخرط بعدها التيار الصدري في العملية السياسية محتفظاً بسلاحه وجنوده الذين تشكلوا في فصيل مسلح تحت تسمية أخرى: (سرايا السلام)، وهو الجناح العسكري للتيار. حيث صارت له نواب في البرلمان ووزراء ومدراء عامين وجامعات أهلية ووسائل إعلامية وغيره. ويسعى التيار حالياً لتسلم أهم منصب في العراق، رئاسة الوزراء، وبالتالي القيادة العامة للقوات المسلحة، بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في إنتخابات عام 2021م.

 توجد أيضاً جماعة مسلحة أخرى يقودها (أحمد الحسن اليماني) ويدعي أنه (ابن المهدي ورسوله) ويطلق على أتباعه لقب (جند السماء). خاضت هذه الجماعة أكثر من معركة ضد الحكومة العراقية في محافظات الجنوب، أكبرها كانت في قرية (الزركة) بالقرب من محافظة النجف، حيث قتل من أتباع اليماني أو (قاضي السماء) مايقارب السبعين عنصراً كانوا (ينوون قتل المراجع الشيعة) حسب الرواية الحكومية. وترى هذه الجماعة أن صاحبهم هو إمام معصوم لذا يلحقون اسمه بعبارة: (عليه السلام)، ولهم قناة فضائية هي (المنقذ العالمي).

وهناك أيضا جماعات صغيرة أخرى تدعى العمل على تهيئة ظهور (الحجة) والإعداد ل (اليوم الموعود) الذي سيظهر فيه (صاحب الزمان) ل (يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورا).

لهذه الأسباب وغيرها تعاظم فضولي للغوص عميقاً كي أتعرف أكثر على هذه الشخصية. حينها كان خزيني المعلوماتي عن المهدي لا يتعدى كتيب صغير قرأته في بداية تسعينيات القرن الماضي يجيب فيه عن تساؤلات من يشكك بالمهدي، إضافة لروايات التعظيم والتقديس التي كان أهلي يزقونها في ذهني. فبدأت رحلة التنقيب حيث وضعت قائمة طويلة بالمصادر التي يجب الإطلاع عليها لفهم فكرة غيبة الإمام المهدي من مصادر متنوعة أولاً، وللتعرف على اللحظة التاريخية التي أنتجت هذه الفكرة في القرن الثالث الهجري ثانياً. وقد أطلعت للآن على أربعة كتب فقط وعدة فصول من كتب أخرى وبعض المقالات، فضلاً عن متابعة محاضرات وحوارات فكرية على موقع (يوتوب).

وأود هنا أن أستعرض هذه الكتب بشكل تقريري بدون تدخل (فهي تجيب بعضها البعض) لغرض تقديم ملخص سريع لأهم ما جاء فيهن. ولا تعنيني هنا قضية محاورة الأفكار أو تحليلها أو مناقشة دقة مخرجاتها العلمية أو غرائبية الروايات الورادة فيهن. فما قد نراه غرائبياً وغير معقول يراه الآخر معجزة ربانية تشبه المعجزات الأخرى التي يؤمن بها، حتماً، كانتقال محمد النبي من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى على ظهر دابة ثم عودته بليلة واحدة ومعراجه إلى السماء بنفس اللية، ومعجزة ضرب موسى البحر بعصاه ليعبر هو وقومه إلى الضفة الأخرى ثم يغرق بعدها أتباع فرعون الذين كانوا يطاردوهم، ومكوث يونس في بطن الحوت لثلاثة أيام (في رواية أخرى لأربعين يوماً!) ونجاته لأنه كان يُسبح باسم الله، وإحياء عيسى للموتى وغيرها من الخوارق اللامعقولة. فمن حق أي شخص الإعتقاد بأي معتقد يرغب اعتناقه طالما أنه لا يفرضه على الآخرين، ولا يكفرهم أو يعاملهم بدونية لأنهم لا يشاركونه اعتقاداته، ولا يؤثر على المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يتجاوز على القانون أو السلم الأهلي.

في ذات الوقت، من حق أي شخص مناقشة أي معتقد روحي أو مادي بمنهجية وعلمية بعيداً عن الإستخفاف أو التجريح. فالآلهة والأنبياء والرسل والشخصيات الدينية والتاريخية والسياسية والأفكار الآيدلوجية والمعتقدادت هي مواضيع إنسانية عامة يجب أن تكون خاضعة للبحث العلمي والتمحيص والنقد الأكاديمي بدون خطوط حمر تضرب حولها.

فلا يجوز لأتباع هذه الشخصية أو تلك أن يفرضوا وجهة نظرهم المقدسة على الآخرين. فإذا تجنب الباحث انتقاد هذه الشخصيات من باب عدم المساس بقدسيتها عند البعض، حينها سوف لا يجد الباحث أي شخصية تاريخية يدرسها دون الاصطدام بجدار القدسية، سيما الشخصيات الدينية. فحتى أكثر الشخصيات المتفق على سيرتها الدموية وانتهاكها لحقوق الإنسان تجد هناك من يراها العكس، بل ويضفي عليها هالة من القدسية. وهناك من لا يتردد بقتلك أو تكفيرك أو لعنك أو شتمك أو نعتك بالرافضي أحياناً وبالناصبي أحياناً أخرى، لا لشي إلا لأنك لا تتناغم مع تبجيله لشخصياته المقدسة. لدينا شواهد كثيرة حديثة على قتل أو الدعوة لقتل من يختلف في الرأي كان قد دعى إليها أو قام بها متطرفون مسلمون، أقربها إلى الذهن هي فتوى الخميني بالقصاص من سليمان رشدي، وكذلك قتل الباحث المصري فرج فودة على يدي السلفيين وغيرها من الشواهد. أما في عصر الخلافة الإسلامية فالشواهد أكثر بكثير.                                                                                                                                                                                                           

 

كتاب (المهدي المنتظر عند الشيعة الإثني عشرية)

إختياري لهذا الكتاب في بداية مشوار الوقوف عن كثب على فكرة المهدي هو لمعرفتي المسبقة بموضوعية المؤرخ (جواد علي 1907- 1987م) وتجرده من التحيز الذي يقع فيه أحياناً بعض المؤرخين خصوصاً الذين يتناولون الشخصيات الدينية. حيث إن تناول الشخصيات الدينية من الجانب التاريخي المجرد باتباع المنهج الأكاديمي الصارم بعيداً عن هالة التقديس الأعمى أو القدح المؤدلج البغيض هو أشد ما يحتاج إليه القارئ العربي. أكثر ما يقتل الحقيقة التاريخية (إن وجدت) هو الأحكام المسبقة.

هذا الكتاب عبارة عن أطروحة تقدم بها جواد علي لنيل شهادة الدكتوراه في إحدى الجامعات الألمانية نهاية ثلاثينيات القرن العشرين. وقد تمت ترجمة هذا الكتاب من الألمانية على يد المترجم الجزائري د. أبو السعيد دودو بعد موت المؤلف.

يتحدث جواد علي في بداية الكتاب عن الإمامة عند الإثني عشرية، فيقول إنها: "وحاملها نفسه قد نصبهما الله وحدهما عن طريق نبيه. وسلطة الإمام تشمل الأرض كلها. فهو يحكمها بلا حدود، لأن الله وكل إليه أمرها، وكل ما يوجد فيها وفوقها، سواء أكان معدنا، أم غابة، أم حيوانا، برا أم بحرا، فالأشياء كلها ملك للإمام، وله الخمس مما يكسبه الناس من أعمالهم... وسيبقى هذا النظام قائما إلى أن يأتي زمان (الإمام المختفي)، وعندئذ سيتولى تسيير الأرض بنفسه ويوزعها بين جميع المؤمنين." ص13. وللتعريف بفكرة نواب الأمام يقول في صفحة 14: "ولما كان الإمام لا يستطيع أن يشرف على حزبه كله، فإنه يعين نوابا عنه في المدن والأماكن، التي توجد فيها طوائف شيعية. وكان هؤلاء النواب يسهرون على أمور هذه الطوائف، ويجمعون الخراج ويرسلون إلى الأمام ماتبقى منه بعد إنفاق الأموال المخصصة للشؤون الاجتماعية".

 ثم يستعرض أسماء المؤلفين الذين كتبوا في موضوع الإمام الغائب ونوابه الأربعة قبل وبعد الغيبة الصغرى وأسماء كتبهم فيدرج مئة وعشرين كاتباً، منهم من وضع أكثر من كتاب. لكنه يؤكد على أنه أكتفى بإيراد الرواية عند هبة الدين الشهرستاني وسير علماء الشيعة وذلك لأن: "ليس من السهل على العالم أن يجد طريقه عبر هذا الثراء من الحكايات الخرافية، ويستخرج منها القليل مما يمكن استعماله في دراسته." ص17.

ويتطرق في الفصل اللاحق إلى وضع أسرة آل النبي زمن الخلفاء فكانت: "السياسة المعادية لأسرة علي تتوقف على شخصية الخليفة، فإذا كان يتعطاف مع آل البيت، كانت لهم أوقات تكون فيها أمورهم على أحسن ما يرام. ولكن الخليفة، ليكون على ثقة من أمرهم، نقل مقامهم الرئيس من المدينة إلى بغداد، حيث تم إخضاعهم لرقابة صارمة. وكان على الأئمة الأخيرين أن ينتقلوا إلى مقامهم الجديد سامراء وأن يعيشوا فيها وكأنهم في سجن." ص64.

في ظل هذه الظروف العصيبة وساسية المراقبة الشديدة من قبل الخليفة المعتمد العباسي يموت الأمام الحادي عشر (الحسن بن علي بن محمد العسكري) مسموماً في عام 260ه، لتحدث أزمة كبيرة في صفوف الشيعة وأصيبوا بحيرة: "هل ترك الإمام الحادي عشر ولدا؟ وماهو مستقبل الشيعة من الآن فصاعدا؟ وتساءل الناس، إذا كان الإمام قد ترك ولد، فلماذا لم نر هذا الولد وأين هو؟... لقد أثارت هذه التأملات وجدان الشيعة وأدت إلى انقسام حركتهم، التي كانت قبل ذلك تعاني من الضعف، إلى اربع عشرة فرقة." ص66.

لكن هذه الفرق انحلت مع الأيام وبقيت فرقة رئيسية تؤمن بوجود ابن للإمام. يقول علي جواد في هذا الصدد: "تقدم لنا أول وأقدم كتب الشيعة الإثني عشرية، التي عالجت هذا الموضوع، مثل: إكمال الدين، الغيبة للنعماني، والإرشاد للمفيد، والغيبة للطوسي، كمولد للإمام الثاني عشر سنة 255ه أو 256ه. هناك مكان واحد فقط يرد فيه أن الإمام الحادي عشر قد كتب توقيعاً لأحمد بن الحسن بن إسحاق القمي سنة 254ه أنه قد ولد له ولد." ص67.

وهناك ذكر لتواريخ عديدة مختلفة يعتقد أن الإمام المهدي قد ولد فيها. أما حكاية ولادة المهدي فهي جاءت في أكثر من صورة مختلفة ومتناقضة أحياناً لكن المؤلف ينقل حكاية من المصادر الشيعية يقول إنها الأقوى: "لأنها تعود إلى شاهد عيان، هي حكيمة. أما الأخبار الأخرى فمصدرها سفراء وخدم الإمام الحادي عشر." ص72.

تقول الحكاية إن الأمام الحادي عشر كان قد طلب من عمته حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى الرضا أن تحضر إلى بيته لأن هناك ولداً سيولد له هذه الليلة ويكون خليفة الله فوق الأرض، فاستغربت كيف يولد له طفل وليس له من بين نساء حريمه من هي حامل، فأجابها بأن نرجس (أحد أسماء أم المهدي)، وهي عبدة عتيقة، ولدته منه. ثم تروي تفاصيل رؤيتها للطفل المولود وذكره للشهادة وقراءته آيات من القرآن وتعداده أسماء الأئمة جميعاً: "إلى أن ذكر اسمه. وبعد ذلك أمر الأمام الحادي عشر بإحضار الطفل، فأحضر والحمائم تطير حوله. وأمر حمامة أن تطير إلى السماء فطارت الحمائم كلها..." ص70. وبعد خمس سنوات مات والده: "وخلع الله الإمامة على الفتي رغم شبابه، مثل يسوع، الذي تميز وهو في المهد بالحكمة الكثيرة... غير أن الخليفة قام بتحريات دقيقة عن الطفل، لأنه كان يعرف أن رجلا سيولد في هذا الوقت... وبذل الخليفة قصارى جهده في القبض على الصبي حتى لا يتولى منصبه فإذا لم يأخذ الإمام الجديد منصبه، فإن عليه أن يبقى متخفيا عن الأنظار، وإلا فإن الإمامة تصبح عديمة الأثر..." ص75.

ليغيب الإمام (وفق روايات الشيعة)  في غيبة صغرى تستمر لسبعين عاماً أستعمل فيها المهدي أربعة وسطاء معينين بينه وبين أتباعه ولا يعرف مكانه سوى هؤلاء النواب. أما في وقت الغيبة الكبرى فلا يوجد سفراء: "لأن المهدي يظهر بنفسه بين الحين والآخر." ص77.

ثم يحلل المؤلف موضوع السرداب الموجود حاليا في مرقد الأمامين العسكريين (العاشر والحادي عشر) بمدينة سامراء - تعرض المرقد لعمل إرهابي شنيع في 22 شباط من عام 2006م لتتفجر بعده الحرب الطائفية. يعتقد البعض مخطئاً أن الشيعة تقدس هذا السرداب لأنه المكان الذي أختفى فيه المهدي. لكن جواد علي يخلص إلى نتيجة مفادها أن الشيعة تقدس هذا المكان لأنه الجزء الوحيد الذي بقي من مسكن الإمام. ويؤكد كذلك على أن قضية الرجعة: "لسيت مذهباً دينياً، وإنما تقع في نفس المرتبة مع رجعة المسيح أو الدجال عند أهل السنة. فكما أن الاعتقاد برجعة هؤلاء الرجال الثلاثة ليس عقيدة ملزمة عن أهل السنة، كذلك لا يعرف الشيعة عقيدة دينية في الرجعة. ويختلف الأمر في الغيبة تماما؛ على الشيعي أن يعتقد بغيبة الإمام الثاني عشر، لأن العالم لا يمكن أن يكون بدون إمام." ص93.

ثم يتطرق المؤلف في الفصول اللاحقة إلى سير السفراء ونشأتهم والوضع السياسي والاجتماعي حينذاك في بغداد، حيث يقيمون، والكيفية التي كان يصل فيها الخراج للإمام من عامة الشيعة وكتابة التواقيع، وتطرق أيضاً إلى بعض الذين أدعوا أنهم وكلاء للمهدي، من بينهم الحسين بن منصور الحلاج. حيث أدعى الأخير أنه وكيل الإمام الغائب في عهد السفير الثاني سنة 296 ه:  "وكان لايزال يثير النزاع، فكان على السفير الثالث عندئذ أن يسكت صوته." ص137. لكن فيما بعد لم يعد بحاجة إلى اتخاذ أي إجراء ضد الحلاج عندما أظهره أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي بمظهر الزنديق حيث: "نجح أبو سهل عند ابن داود، معلم الفقه السني. ففي سنة 297ه قدم ابن داود فتواه الشهيرة بتكفير الحلاج وحرمانه من حماية القانون." ص138.

ينتهي الكتاب بالحديث عن عودة المهدي ودولته الموعودة فينقل أكثر من سيناريو لهذه العلامات. ننقل هنا مختصر رواية واحدة ينقلها عن العلامة المجلسي في كتابه (بحار الأنوار): "... وهناك علامة أخرى نشوب الحرب بين الأتراك والروم (اليونان)... تتسع الحرب بصورة مطردة إلى أن تشمل في النهاية الأرض كلها. فيرفع رجل صوته في دمشق ويعلن عن تحول عنيف في مصير الإنسانية. بعدها يتنازع ثلاثة رجال من أجل الحكم، وفي الوقت نفسه يدخل ناس من الغرب بلاد الشرق ويقضون على مصر. والآن يستولي الأتراك على مدينة الحيرة، بينما يستولى الروم على فلسطين، ويظهر السفياني... يزحف السفياني من الغرب والخراساني من الشرق بقواتهما ويتنافسان على الكوفة من أجل الاستيلاء على هذه المدينة... وفي هذه النقطة من الصراع يرفع رجل يكنى اليمني الراية في الجنوب ويجمع حوله من احتفظوا في قلوبهم بشرارة من الإيمان. وبعد خسائر كبيرة ... وانتشار الكفر، واضطهاد الإيمان وعلامات أخرى كثيرة يتلقى الإمام المختفي الأمر من الله بالعودة إلى الأرض وإعادة الشريعة والحقيقة... ولن يستطيع أي كافر إخفاء نفسه، لأن الحجر، الذي يختفون وراءه، سيشي بهم نفسه. وتصبح كل البلدان تحت حكم المهدي، الصين، والقسطنطينية، ورومة وجميع ممالك العالم. ولن يكون هناك دين، لا المسيحية ولا اليهودية... تضيء السماء كلها بنور ساطع بحيث لا تكون هناك ضرورة للشمس ولن يستقر الظلام فوق الأرض... وبعدها يعيش الناس من غير أن تثقل كاهلهم الديون. ولن تهتز العلاقات الإنسانية لا بسبب الخصام ولا العراك، ستسود الأخوة الصافية والسلام الدائم الإنسانية جمعاء وتجعلها سعيدة." ص296 و ص297.

وينهي المؤلف البحث بتلخيص نتائجه في عدة نقاط منها تأكيده على أنه لم يبحث أفكار الغيبة إلا بوصفها ظاهرة تاريخية-عقائدية، وليس عقيدة دينية.

 


كتاب (حياة الإمام المهدي (ع))

الكتاب الثاني في قائمة المراجع التي طالعتها هو كتاب (حياة الإمام المهدي (ع)) للشيخ باقر شريف القرشي المتوفي في مدينة النجف عام 2012م. وهو مؤسس مكتبة الحسن العامة وصاحب المؤلفات الكثيرة في التاريخ الشيعي أهمها موسوعة أهل البيت (42 مجلد).

أعتمد المؤلف في الكتاب على الأخبار المتواترة ليقدم عدة طروحات حول المهدي هي: صفات وملامح المهدي، وعلامات الظهور، وتحديد مكان وزمان الظهور، وبرنامج الحكم. يؤكد المؤلف في مقدمته على أن التشكيك في قضية المهدي يعد تشكيكاً في ضررويات الدين مستنداً في ذلك على حديث للنبي محمد: "من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد (ص)". ص12، مشبهاً ظهور المهدي بظهور الأنبياء كموسى بن عمران في (خفاء حمل أمه) حتى لا يعرف بأمره فرعون، و أيضاً عيسى بن مريم بنطقه بعد الولادة.

ثم يرد الكاتب على الشبهات التي تلصق بالشيعة من أن الإمام المهدي قد غاب في السرداب الكائن في بيته في (سامراء) ويتوقعون خروجه منه، فيقول: " (هو) قد غاب عن أبصار السلطة التي كانت تراقبه كأشد ما تكون المراقبة لتصفيته جسدياً، فغيابه عن الظالمين كغياب جده رسول الله صلى الله على وآله عن أبصار قريش... (أنه) لا يظهر في السرداب، الذي في (سامراء) ولا غاب فيه، وإنما في وضح النهار في (مكة المكرمة) وفي الكعبة المشرفة." ص16.

ويجيب عن تساؤل الحكمة من غياب المهدي بقوله: "إن العلة الحقيقية في ذلك قد أخفاها الله على عباده كما أخفى ليلة القدر، ويوم القيامة، والساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة، وماهية الروح وحقيقتها." ص16.

في معرض حديثه عن أم المهدي يقول إنها ترجع بنسبها إلى أعظم شخصية في الروم فهي بنت (يشوع) الذي ينتهي نسبه إلى قيصر ملك الروم كما أن أمها ينتهي نسبها إلى شمعون الذي هو أحد أوصياء المسيح ومن حواريه. وينقل عن الرواة عدة أسماء لها: سوسن، ريحانة، نرجس، صقيل، خمط. 

يذكر المؤلف قصة ولادة المهدي نقلاً عن كتاب (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي عندما دعى الأمام الحسن العسكري (الحادي عشر) عمته حكيمة بنت الإمام محمد الجواد إلى بيته: "ياعمة أجعلي الليلة إفطارك عندي، فإن الله عز وجل سيسرك بوليه وحجته على خلقه، خليفتي من بعدي... وغمرت السيدة حكيمة موجات من الفرح والسرور والتفتت إلى الإمام قائلة: "جعلت فداك يا سيدي الخلف ممن؟..." فقال لها الإمام: "من سوسن..." ونظرت السيدة حكيمة إلى سوسن فلم تر عليها أثرا للحمل فقالت للإمام: "إنها غير حامل"، فتبسم عليه السلام وقال لها: "إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل فإن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى وهذه نظير موسى وقامت السيدة حكيمة من عند الإمام فلما حان وقت صلاة المغرب والعشاء أدت الصلاتين ثم تناولت الإفطار مع السيدة سوسن، وبعد ذلك عمدت إلى فراشها فنامت، ثم استيقظت ونظرت إلى سوسن فلم تر عليها أثر الولادة ولما حل الهزيع الأخير من الليل نهضت فأدت صلاة الليل... وبعد الفراغ منها أحست بالطلق، وبادرت نحوها السيدة حكيمة قائلة: "هل تحسين شيئا" فأجابتها بفزع واضطراب: "إني لأجد أمرا شديدا.." ... ولم يمض قليل من الوقت حتى ولدت سوسن وليدها العظيم... ونطق الوليد...: (نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجهودهما منهم ماكانوا يحذرون)... وعمت الفرحة الكبرى بولادة الإمام عليه السلام جميع الأوساط الشيعية وقد انبرى جمع من الأعلام والأخبار إلى الإمام الزكي الحسن عليه السلام فهنأوه بولادة وليده..." ص26.

أما عن تسميته بمحمد فيقول إن الذي سماه حسب اتفاق المؤروخين والرواة: "هو جده الرسول صلى الله عليه وآله." ص27. ومن ألقابه هي: (المهدي، القائم، المنتظر، الحجة، الخلف الصالح). وكنيته التي كناها له النبي هي: (أبو عبد الله)، وقيل إنه يكنى بإبي جعفر، وبأبي القاسم. وعن ولادته يقول إنه ولد في النصف من شعبان سنة 255 ه أو سنة 232ه.  وملامح المهدي حسب المؤلف كما حدث بها النبي محمد هي: (أفرق الثنايا، أجلى الجبهة). وكما وردت عن الأمام علي: (أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مندح "متسع" البطن عريض الفخذين، عظيم المنكبين، شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبي). وعن علومه ومعارفه يؤكد المؤلف: "إذا ظهر عليه السلام يحاجج اليهود بأسفار التوراة فيسلم أكثرهم... وكان عليه السلام المرجع الأعلى للعالم الإسلامي في أيام الغيبة الصغرى (فترة النيابة الخاصة) فقد كان نوابه الأربعة يرفعون إليه المسائل التي يسأل المسلمون عن أحكامها فيجيبهم عنها وقد حفلت موسوعات الفقه والحديث بالكثير من أجوبته وإليها يستند فقهاء الإمامية فيما يفتون من الأحكام ومن الجدير بالذكر أن الشيخ الصدوق نضر الله مثواه قد احتفظ بالقسم الكثير من تلك الفتاوى المكتوبة أجوبتها بخطه الشريف." ص39.

وعن زهد المهدي يحدثنا المؤلف أنه كان يلبس الغليظ ولا يأكل إلا الشعير الجشب (الخشن). ويتحدث أيضاً عن شجاعته وصبره وعبادته. أما عن سخاؤه فينقل حديثاً للنبي: "...يجيء الرجل إليه فيقول: يامهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله." ص45.

أما رسائل الإمام المهدي فيضع المؤلف عدة رسائل أغلبها يجيب عن تساؤلات البعض الذين يشككون بوجوده من أبناء عمه، منها مقتبس من الرسالة التالية التي وجهها إلى إسحاق بن يعقوب ونقلها النائب الثاني محمد بن عثمان العمري (ت 304ه): "أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتي وبني عمنا:

فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح.

وأما سبيل ابن عمي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف.

وأما الفقاع (شراب يتخذ من ماء الشعير) فشربه حرام ولا بأس بالشلماب (شراب ليس بمسكر).

وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع وما آتانا الله خير مما آتاكم.

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله  وكذب الوقاتون.

وأما قول من زعم إن الحسين لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال.

وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.

وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي.

وأما محمد بن علي بن مهزبار الأهوازي فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه..." ص72 و ص73.

ثم يستعرض الكاتب سير النواب الأربعة زمن الغيبة الصغرى التي استمرت سبعين عاماً وهم على التوالي:

·       عثمان بن سعيد العمري (سنة وفاته غير محددة)

·       محمد بن عثمان العمري (ت 305 ه)

·       الحسين بن روح (ت 326ه)

·       علي بن محمد السمري (ت 328)

ويقول الرواة حسب الكاتب إنه قبل موت النائب الأخير أخرج إلى الناس رسالة موقعة من الإمام المنتظر جاء فيها: "يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فأجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلى بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طوال الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي على شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم." ص 130.

فتبدأ بعدها الغيبة الكبرى إلى اليوم ويقول المؤلف في هذا الصدد إن الإمام أعطى للفقيه الولاية العامة، ونصبه حاكماً ومرجعاً للمسلمين في مختلف شؤونهم الاجتماعية: "وتقلد الفقهاء العظام المرجعية والنيابة العظمى عن الإمام المنتظر عليه السلام." ص133.

ولم يكن فقط الخلاف قائماً على قضية وجود المهدي من عدمه، بل حتى على قضية الإنابة للإمام (منهم أصحاب أبي المهدي وجده) فقد أدعت: "عصابة من المنافقين المنحرفين عن الحق نيابتهم عن الإمام المنتظر عليه السلام، وذلك لحسد بعضهم لسفراء الإمام عليه السلام ولسرقة الحقوق الشرعية من الشيعة." ص134.

ويستعرض المؤلف أسماء بعض هؤلاء: (أحمد بن هلال والحسن الشريعي والحسين بن منصور الحلاج ومحمد بن علي الشلمغاني). ويتطرق الكاتب بعدها للحركات المهدوية التي ظهرت عبر التاريخ أدعى أصحابها أنهم المهدي المنتظر كمهدي السودان (محمد أحمد بن عبد الله بن فحل المتوفى عام 1885م) الذي بدأ دعوته عام 1881م وخاض معارك رهيبة ضد الحكم العثماني المصري للسودان. ومهدي تهامة الذي ظهر في اليمن عام 1159م وقد تمكن من القضاء على دولة الحمدانين في صنعاء وعلى الدولة النجاحية في زبيد. ومهدي السنغال ظهر عام 1828م. ومهدي السوس في المغرب. ومهدي الصومال الذي بدأ دعوته عام 1899م وقد حارب البريطانيين والإيطاليين والأحباش لما يقرب العشرين عاما.

ثم يفصل الؤلف أسباب الغيبة التي يعدها ضرورة لا غنى عنها وهي بإختصار:

·       الخوف عليه من العباسيين

·       الامتحان والاختبار (امتحان العباد واختبارهم وتمحيصهم ص165)

·       الغيبة من أسرار الله

·       حتى لا تكون في عنقه بيعة لظالم

وفي معرض الحديث عن الفائدة من غياب المهدي عن الأنظار يطرح المؤلف خمسة فوائد هي:

1)     أمان لأهل الأرض

2)     عدم صلاح المسلمين وشيوع الفساد، ولو كانوا صالحين غير منحرفين عن الحق لظهر عليه السلام

3)     إنه يرعى شيعته ويمدهم بدعائه الذي لا يحجب، ولولا دعاؤه لما أبقى منهم الظالمون أحدا يتنفس الصعداء

4)     غيابه هو كالشمس إذا غيبتها الأبصار: "الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها." ص170

5)     الفائدة والحكمة من غيابه مجهولة لدينا

وفي مسألة امتداد عمره إلى الألف ومائة وخمسين عاما (تاريخ نشر الكتاب عام 1996) فيقول المؤلف إن ذلك ممكن علمياً وخارجيا:ً "وذلك بمشيئة الله تعالى بعزله للأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن المؤثرات الخارجية التي تسبب هرم الجسم وفناؤه وقد تحقق ذلك في العالم الخارجي فإن نبي الله تعالى نوح عليه السلام قد مكث في قومه ألف عام إلا خمسين سنة حسب نص القرآن الكريم، فلماذا نقبل ونؤمن بإطالة عمر نوح ولا نؤمن بإطالة عمر الإمام المنتظر." ص172.

وعن سبب هذا العمر المديد يجيب المؤلف: "... أن الله تعالى قد خص الإمام المنتظر عليه السلام بإصلاح العالم بأسره، وأوكل إليه إنقاذ الإنسان من التيارات المظلمة التي تعصف بحياته، وتجعله في متاهات سحيقة في مجاهيل الحياة، فالإمام المنتظر عليه السلام آخر مصلح اجتماعي. فلابد أن تمر الأدوار المظلمة التي عانى منها الإنسان... ليكون هو الفصل الأخير الذي يفجر النور ويملأ الأرض عدلا وقسطا... فلابد له من العمر المديد ليطلع على الدنيا بأسرها ويقف على أوجهها المختلفة ليقوم بالإصلاح الشامل." ص173.

أما لماذا لم يظهر للآن فيقول إن أمره بيد الله، وذلك يتطلب مناخاً شاملاً لجميع أنحاء الأرض. وعن الكيفية التي يقوم بها المهدي بالإصلاح العالمي يجيب الكاتب: "فالإمام المهدي (ع) كجده رسول الله (ص) يقوم ببسط الأمن والرخاء في العالم، وينقذ الإنسان من الأزمات والخطوب، وينشر المحبة والإلفة بين جميع أبناء البشر." ص175.

ثم يستعرض الكثير من أقوال علماء السنة الذين: "وافقوا الشيعة على ولادة المنتظر عليه السلام" ص209، رغم أن من تلك الأقوال قد لا تعني بالضرورة جزماً بإيمانهم بالمهدي فمثلا ينقل عن الذهبي قوله: "... الذين تعتقد الرافضة عصمتهم وهو والد منتظرهم محمد بن الحسن" ص214. وبقية الأسماء هي على التوالي: {محمد بن طلحة الشافعي، ابن العربي، ابن الصباغ المالكي، ابن الأثير، شمس الدين أو المظفر (سبط ابن الجوزي)، إسماعيل أبو الفداء، القرماني، ابن خلكان، الذهبي، سراج الدين الرفاعي، الشيخ الشبلنجي، سليمان بن خواجه، عبد الوهاب الشعراني، خير الدين الزركلي، البهيقي، حسين الكاشفي، صلاح الدين الصفدي، محمد البخاري، السيد أحمد دحلان}. وبعدها يدرج خمسين مؤلفاً عن الإمام المهدي يقول إن جلها لعلماء أهل السنة. ثم يتطرق إلى الشعراء المؤمنين بالمهدي مع ذكر بعض أبيات من قصائدهم وأقوالهم من بينهم ابن أبي الحديد وابن الرومي.

وعن علامات الظهور فهو يقسمها إلى علامات حتمية وأخرى غير حتمية. أما الأولي فهي: {انتشار الظلم، خروج الأعور الدجال (مسلم يقول إنه أعور العين اليسرى، والبخاري يقول إنه أعور العين اليمنى)، خروج السفياني من نسل خالد بن يزيد حفيد أبي سفيان، رفع الجيوش للرايات السود (يقول المؤلف إنها صنعت سوداً حداداً على الحسين بن علي)، نداء ملك في السماء يبشر بظهوره ويدعو الناس إلى متابعته، نزول المسيح إلى الأرض ومبايعته للإمام وصلاته خلفه: "فإذا رأى النصارى ذلك آمنوا بالإسلام، واعتنقوه ورفضوا المسيحية." ص208}. أما زمان خروجه فيقول المؤلف، مستنداً بذلك على بعض الأحاديث للأئمة الشيعية، فيكون في يوم السبت العاشر من محرم.

قبل أن يختتم المؤلف طروحاته يقدم ثلاثة تواريخ مختلفة لفترة حكم الإمام المهدي: (أربعون سنة، ثلاثون سنة ، إحدى وعشرون سنة). ثم ينهي الكتاب بدعاء إلى الله في تعجيل خروج المهدي (لإنقاذ المسلمين من واقعهم المرير)، ويتوعد بظهوره الجبارين و (الكافرين وجميع الملحدين في مشارق الأرض ومغاربها).

 

كتاب  (الإمام المهدي "حقيقة تاريخية؟.. أم فرضية فلسفية؟)

هذا الكتاب الذي اطلعت عليه في رحلة التعرف على شخصية المهدي هو الجزء الثاني من كتاب (تطور الفكر الساسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه) للباحث العراقي أحمد الكاتب المولود في مدينة كربلاء عام 1953م. ويعد الكاتب، حسب وكيبيديا، من أعلام (حركة إصلاح التراث الإسلامي). واسمه الحقيقي هو عبد الرسول عبد الزهرة عبد الأمير الأسدي، أما أحمد الكاتب فهو الاسم الحركي له خلال عمله في منظمة العمل الإسلامي المناهضة لنظام صدام حسين.

والكاتب أصدر عدة مؤلفات أثارت جدلاً، ومازالت، في الوسط الشيعي من بينها هذا الكتاب (الطبعة الخامسة والصادرة عام 2007م عن الدار العربية للعلوم)، وغاية هذا الكتاب كما يؤكد المؤلف في مقدمته هو: "إثراء البحث حول الموضوع (المهدي)، وتطوير الفكر السياسي الشيعي خطوات أوسع نحو الديمقراطية". ص14. ثم يفصل المؤلف في مسألة الشورى ويقول إنها نظرية (أهل البيت) السياسية، إذ لم يدعوا إلى الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول، كما تقول النظرية الإمامية التي لم تظهر إلا في بداية القرن الثاني الهجري. وأصحاب هذه النظرية يستندون على مبدأ جوهري وهو أن النبي محمد كان قد أوصى لعلي بن أبي طالب في حديث الغدير الذي قال فيه النبي: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه". لكن أمر هذه الوصية كان: "يتعلق بالأمور العادية والشخصية، ولم تكن له علاقة بالسياسة والإمامة أو الخلافة الدينية." ص16. ويضيف المؤلف: "ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول كما تقول النظرية الامامية، لم يكن يجوز للإمام الحسن أن يتنازل عنها لأي أحد تحت أي ظرف من الظروف." ص18.

يقول الكاتب إن فريقاً صغيراً من المتكلمين الشيعة قام بالغلو في أهل البيت، وادعى بعضهم أن: "الإمامة مفروضة من الله، وهي في أهل البيت، وأنها متوارثة في ذرية الحسين بصورة عمودية إلى يوم القيامة، وإنها تثبت بالنص أو الوصية أو المعاجز الغيبية" ص21. وقد ظهرت هذه الفرقة في ظل ظروف قاهرة تعرض لها الشيعة على يدي الخلفاء الأمويين والعباسيين، وبعد فشل عدة ثورات قامت بها الشيعة كثورة زيد بن علي في الكوفة سنة 122ه، وابنه يحيى سنة 125ه، وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار سنة 128ه، وثورة الأمام محمد ذي النفس الزكية سنة 145ه.

كما تعرضت هذه النظرية لأزمات وصدمات كبيرة خلال فترة نشوءها الأول أنتجت عن ذلك انقسامات إلى عدة فرق: "... وبينما كانوا يحاولون إثبات إمامة الرضا (الإلهية) بالنصوص والمعاجز، توفى الإمام الرضا في خراسان... وكان ابنه (محمد الجواد) يبلغ من العمر سبع سنين، مما أحدث أزمة جديدة في صفوفهم، وشكل تحدياً كبيراً لنظريتهم السرية الوليدة. حيث لم يكن يعقل ان ينصب الله تعالى لقيادة المسلمين طفلا صغيراً غير مكلف شرعا، محجوراً عليه... ولم تتح له الفرصة للتعلم من أبيه الذي تركه في المدينة وله من العمر أربع سنوات. وهذا ما أدى إلى انقسام الامامية إلى عدة فرق:

أ‌-             فرقة عادت إلى الوقف على موسى الكاظم.

ب‌-          و فرقة ذهبت إلى أخي الإمام الرضا (أحمد بن موسى).

ج- وفرقة قالت بإمامة الجواد.

وبعد موت الأمام الحادي عشر (الحسن العسكري) دون أن يشير إلى وجود ولد له أو يوصي إلى أحد بالإمامة حدثت انقسامات جديدة: "مما أدى إلى وقوع الأزمة الكبرى والحيرة العظمى في صفوف الامامية، وتفرقتهم إلى أربعة عشر فرقة، كل يقول برأي مختلف." ص35.

وعن ميلاد النظرية الإثني عشرية يقول المؤلف إنها نظرية حدثت خاصة في صفوف الشيعة الموسوية، وقد قال جناح متشدد منهم بوجود: "قائمة مسبقة وتحديد أسماء الأئمة من قبل الرسول الأعظم باثني عشر إماما، والغرض من هذه القائمة هو لإثبات وجود الإمام الثاني عشر.

بعد موت الحسن العسكري استغل أخاه جعفر بن علي الهادي الفراغ بعدم وجود ولد لأخيه: "وعدم وصيته أو إشارته إلى أحد، فادعى الإمامة لنفسه بعد أخيه... وكتب إلى بعض الموالين في قم – التي كانت مركزا للشيعة يوم ذاك – يدعوهم فيها إلى نفسه ويعلمهم أنه القيم بعد أخيه." ص42.

وكاد أهل قم أن يستجيبوا لجعفر لكنهم طلبوا منه الإجابة على عدة مسائل، وأرسلوا وفداً منهم إلى جعفر لمحاورته ولم يجب عنها. في رواية أخرى يوردها بعض العلماء الشيعة كالصدوق والطوسي ومحمد الصدر تقول: "إن الوفد سأل جعفر عن الغيب، وطالبوه بإخبارهم عن كمية الأموال التي يحملونها من قم وعن أصحابها، وقالوا: إن الحسن كان يخبرهم بذلك، فرفض التحدث بالغيب واستنكر نسبته إلى أخيه." ص43.

ثم يسرد المؤلف حكاية نشوء فكرة وجود الإمام الثاني عشر: "وبالرغم من عدم توصل كثير من الشيعة الذين بحثوا عن ولد للعسكري إلى أي نتيجة... كان بعض أصحاب الإمام العسكري يهمسون في آذان الشيعة، بتكتم شديد، ويدعون وجود ولد له في السرّ، ولد قبل وفاته بسنتين أو ثلاث... ويطلبون من عامة الشيعة التوقف عن البحث والتفتيش عنه، أو السؤال عن اسمه... وكانوا يفسرون ادعاء الجارية صقيل بوجود الحمل عند وفاة العسكري، بأنها محاولة للتغطية على وجود الولد في السرّ. وكان منهم عثمان بن سعيد العمري، وكيل الإمام العسكري المالي، ومحمد بن نصير النميري، وأبو القاسم الجعفري، واحمد بن هلال العبرتائي الكرخي، واحمد بن إسحاق القمي. وآخرون... وقد عرف هؤلاء... بعد حوالي مائة عام، ب: (الاثنا عشرية)." ص48.

بعدها يلخص الكاتب المرتكزات الأساسية التي يستند إليها المتكلمون في الدليل الفلسفي أو العقلي على وجود المهدي وهي:

"أولاً: ضرورة وجود الإمام (أي الرئيس) في الأرض. وعدم جواز بقاء البلاد فوضى بلا حكومة.

ثانياً: ضرورة عصمة الإمام من الله، وعدم جواز حكومة الفقهاء العدول، أو الحكام العاديين.

ثالثاً: وجوب حصر الإمامة في أهل البيت وفي أبناء علي والحسين إلى يوم القيامة.

رابعاً: الإيمان بوفاة الإمام الحسن العسكري، وعدم القول بغيبته ومهدويته.

خامساً: الالتزام بقانون الوراثة العمودية، وعدم جواز انتقال الإمامة إلى أخوين بعد الحسن والحسين." ص51.

ويستعرض بعدها الروايات الكثيرة التي سطرها علماء الشيعة في أهمية الدليل العقلي ووجوده ليخرج بنتيجة: "ولابد هنا من القول: إن "الدليل العقلي" على وجود (الإمام محمد بن الحسن العسكري) ليس دليلا عقليا محضا، بحيث يستطيع أي عاقل مجرد ان يتوصل إليه تلقائيا، وإنما يعتمد على مقدمات نقلية عديدة." ص55.

ثم يناقش الدليل الثاني الذي تعتمد عليه الإمامية بإثبات وجود المهدي وهو دليل النقل ويقسمه إلى قسمين هو القرآن والأحاديث. في القسم الأول يورد بعض الآيات القرآنية التي يقول علماء الشيعة إنها نزلت في المهدي وهي على التوالي:

1-           الآية من 4 إلى 6 من سورة الإسراء

2-           الآية 148 من سورة البقرة

3-           الآية 53 من سورة فصلت

4-           الآية 88 من سورة ص. والآية 81 من سورة الإسراء

5-           الآيتان 12 و 13 من سورة الأنبياء

6-           الآية 75 من سورة مريم

7-           الآية 42 من سورة ق

8-           الآية 33 من سورة التوبة

9-           الآية 55 من سورة النور

10-         الآية 5 من سورة القصص

وكل هذه الآيات، يقول المؤلف، وان لم تكن صريحة: "إلا انها تأول بالمهدي القائم. ويستدل بها على وجود وولادة (محمد بن الحسن العسكري) بعد إثبات أنه (المهدي القائم) لا غيره." ص62.

أما قسم الأحاديث التي يعتمد عليها علماء الشيعة كدليل على ضرورة الغيبة وتتنبأ بالمهدي المنتظر وما شابه، سواء بشكل عام أو خاص، والتي رويت عن محمد النبي أو الأئمة فيشمل على:

1-           الروايات الواردة حول المهدي والقائم

2-           الروايات الواردة حول الغيبة والغائب

3-           الروايات الورادة حول الاثني عشر إماما

4-           المهدي الإمام الثاني عشر

5-           حتمية وجود الحجة في الأرض

وفي مبحث الدليل التاريخي على ولادة المهدي يعترف من يدعو به بأن: "الظاهر من حياة الإمام العسكري وسيرته ينفي أن يكون له ولد، ولكنه (الدليل التاريخي) يقول: إن الظروف السياسية لم تكن لتسمح للحسن العسكري بإعلان وجود ولد له." ص67.

وعن أم المهدي يقول المؤلف إن هناك تعدد بالروايات حول اسمها فأبي ثلج البغدادي والمسعودي والطوسي والمجلسي يقولون إن اسمها (نرجس)، والصدوق يقول (مليكة) وفي رواية أخرى (صقيل) وهناك: "عدة أسماء أخرى يذكرها المجلس هي (سوسن) و (ريحانة) و (خمط) وينقل عن الشهيد الأول في (الدروس): انها حرة وان اسمها (مريم بن زيد العلوية)." ص70.

والاختلاف حاضر أيضا في روايات تاريخ مولد المهدي فالشيخ المفيد يقترح عدة تواريخ لذلك: (شهر ذي القعدة سنة 257ه أو 258ه أو النصف من شعبان سنة 255ه، أو سنة 252ه)، والشيخ الصدوق يقول إنه ولد في 8 شعبان سنة 256ه. والشيخ الطوسي فيقول إنه ولد في النصف من رمضان ثم يتفق مع الشيخ المفيد في أنه ولد في النصف من شعبان سنة 255ه. لكن الروايات تجمع على أنه: "ولد بصورة سرية وظل أمره مخفيا." ص70.

ويعد أهم دليل تاريخي على ولادة المهدي حسب رواية المؤمنين بوجوده هو: "شهادة (النواب الأربعة الخاصين) الذين ادعوا (النيابة) عنه، في فترة (الغيبة الصغرى) من سنة 260 إلى سنة 329 هجرية. حيث كان هؤلاء (النواب) يدعون مشاهدته واللقاء به وإيصال الأموال إليه ونقل الرسائل و (التواقيع) منه إلى المؤمنين به." ص81. وينقل الكاتب في هذا المضمار الرواية التالية: "وكان العمري (النائب الثاني) إذا سُئل: هل رأيت المهدي؟ يقول: "نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني"، ورأيته متعلقا بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول: "اللهم انتقم لي من أعدائي".. والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه". ص85.

بالإضافة إلى هؤلاء النواب الأربعة ادعى أربعة وعشرين رجلاً آخر من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري، أو من أتباعهم أن لهم علاقة خاصة مع الإمامين الهادي والعسكري ومن ثم المهدي مع ادعائهم القدرة على العلم بالغيب، وإخراجهم رسائل سرية يقولون إنها من الإمام الغائب، ويقوموا على أساسها باستلام الأموال والحقوق الشرعية. مما أحدث خلافاً بين الشيعة الإمامية فمنهم من صدق النواب الأربعة الأوائل، ومنهم، كالنصيرية، ذهب إلى تصديق محمد بن نصير النميري والحسن الشريعي، وآخرون صدقوا مجموعة أخرى.

بعدها ينتقل الكاتب إلى عرض دليل آخر يعتمده المؤمنون بالمهدي لإثبات وجوده وهو الدليل الإعجازي. حيث إن المؤيدين لهذه النظرية يقولون إن النواب الأربعة كانو يقومون بمعاجز إضافة لعلمهم بالغيب. ويستعرض بعض الأمثلة التي ذكرها الكليني والمفيد والطوسي: "... منها إخبار العمري بتاريخ وفاته في اليوم والشهر والسنة. ومنها إخبار العمري الناس بالأجوبة العجيبة، وإخباره لرجل بتفاصيل خلاف سري بينه وبين زوجته. ومنها قدرة النائب الثالث: الحسين بن روح النوبختي على قراءة رسالة بيضاء ومعرفته بمحتوياتها، والإجابة عليها بسرعة... ومنها إخبار النائب الرابع السمري، لأصحابه، وهو في بغداد، بنبأ وفاة علي بن الحسين بن بابويه في قم في نفس اليوم... ومنها علم النواب بمصدر الأموال التي كانت ترد إليهم." ص90.

أما الدليل الأخير الذي يجادل فيه المؤمنون بوجود المهدي هو دليل الإجماع الذي كان أول من أشار إليه، حسب المؤلف، هو سعد بن عبد الله الأشعري القمي، في القرن الثالث الهجري، وكذلك النوبختي.

وفي مناقشة النظرية المهدوية (الاثني عشرية) يضع الكاتب عدة مطالب ويناقشها تفصيلاً:

1-           غموض هوية المهدي عند أهل البيت. ويقول في هذه القضية: "إن تاريخ أئمة أهل البيت (ع) ورواياتهم التي يحتفظ بها التراث الشيعي الامامي، تؤكد غموض هوية الإمام المهدي، وعدم التصريح باسمه أو زمان خروجه... ولو كانت هوية المهدي قد حددث من قبل منذ زمان رسول الله (ص) وأجمع الشيعة عليها، لما ذهبوا يمينا وشمالا، واحتاروا وتساءلوا عن هوية المهدي." ص102.

2-           ظاهرة المهدوية في التاريخ الإسلامي. تكرر دعوات المهدوية خلال القرون الثلاثة الأولى، حسب المؤلف، يؤكد غموض هوية المهدي عند أهل البيت. حيث ظهرت الكثير من الحركات المهدوية منها: (مهدوية الإمام علي، مهدوية محمد بن الحنفية أخي الإمام الحسين، مهدوية أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، مهدوية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار، أنصار المهدوية في البيت الفاطمي، مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن ذي النفس الزكية، مهدوية محمد بن علي الباقر، مهدوية جعفر بن محمد الصادق، مهدوية إسماعيل بن جعفر الصادق، مهدوية محمد بن جعفر الصادق (الديباج)، مهدوية محمد بن عبد الله  بن جعفر الصادق (الأفطح)، مهدوية موسى بن جعفر الكاظم، مهدوية محمد بن القاسم، مهدوية يحيى بن عمر، مهدوية محمد بن علي الهادي والعسكري، مهدوية القائم المجهول).

في المبحث اللاحق المتعلق بالعوامل الفلسفية لنشوء فرضية الإمام الثاني عشر يستعرض المؤلف بعض الروايات التاريخية التي تؤكد عدم وجود من يخلف الإمام الحادي عشر، وإعتقاد بعض الناس بإمامة أخيه جعفر بن علي الهادي. ويخلص إلى نتيجة مفادها: "...فإن (الدليل العقلي) كان أشبه بالافتراض الفلسفي العاري عن الإثبات التاريخي. وكان ذلك يتجلى في استناد بعض المتكلمين على الحديث الرضوي القائل: (إن صاحب هذا الأمر لا يموت حتى يرى ولده من بعده) لإثبات وجود الولد للإمام العسكري، كما يقول الشيخ الطوسي." ص120.

ثم ينتقل إلى نقد الدليل التاريخي (النقلي) ليؤكد بدءا على أنه لا يناقش آيات القرآن أو الأحاديث العامة التي تتحدث عن المهدي من دون تحديد هويته، بل هو يهدف إلى إثبات عدم وجود شخصية باسم (محمد بن الحسن العسكري). فضلا عن أن الروايات التي تتناول الغيبة والغائب لا تتحدث عن غائب بالتحديد، حسب المؤلف، ولا تذكر اسم محمد بن الحسن العسكري، وبالتالي لا يمكن لها أن تشكل دليلاً على: "(غيبة الحجة بن الحسن) لأنه لم يولد بعد.. ولم يغب.. وهي لا تتحدث عن أمر قبل وقوعه حتى يكون ذلك إعجازاً ودليلاً على صحة الغيبة، كما قال الشيخ الصدوق." ص124.

ويعزو ظهور فرضية غيبة المهدي إلى وجود أزمة في إثبات ولادته: "ولكن الأزمة التي وقعوا فيها (المتكلمون الإماميون)، بعد القول بوجود (ابن الحسن)، وهي: (عدم ظهور الإمام للقيام بمهمات الإمامة) دفعتهم إلى البحث والتنقيب في تراث الفرق الشيعية القديمة كالكيسانية والواقفية، والتفتيش عن مخرج للأزمة والحيرة، ووجدوا في أحاديث المهدوية القديمة أفضل حل للخروج من أزمة عدم الظهور، ودليلاً جديداً على إثبات فرضية (وجود ابن الحسن) في نفس الوقت." ص125.

ويفصل بعدها في تناقض الروايات التاريخية بكل ما يتعلق بالمهدي من اسم أمه وهل كانت جارية أم حرة (مريم بنت زيد العلوية)، وهل ولدت في بيت بعض أخوات الأمام الهادي أو إنها جارية أشتراها الحسن العسكري من: "سوق الرقيق في بغداد" ص138. وأختلفت الروايات أيضا في طريقة الحمل في الرحم أم في الجنب، وفي الولادة من الفرج أم من الفخذ، وفي تحديد تاريخ الولادة وعمره عند وفاة أبيه، وفي تحديد ملامحه وطريقة نموه، وفي أمر التكتم عليه، وحول علم الأصحاب والخدم بوجود ابن للإمام العسكري، واختلفت أيضاً حول نضجه العقلي. ويفسر الكاتب سبب هذا التناقض بكونها مصنوعة ومختلقة من قبل رجال مختلفين: "وتعبر كل واحدة منها عن أفكار واضعها النفسية الخاصة." ص145. ويضيف: "... وراح الذين ادعوا وجود الولد من قبل، ينسجون الإشاعات والأساطير، بصورة سرية خافية، ليضلوا بها البسطاء ويستفيدوا من ورائها الأموال.. ولم يصدق العلماء والمحققون الأوائل بتلك الإشاعات.. ثم جاء الشيخ الصدوق بعد مائة عام، والشيخ الطوسي بعد مائتي عام، ليسجلوا تلك القصص والأساطير، دون أن يحققوا بمصادرها وإسنادها... ثم جاء من بعدهم من المؤرخين (الاخباريين) فنقلوا تلك القصص الأسطورية كأنها حقائق تاريخية لا تقبل المناقشة والحوار." ص146.

والشك قد طال أيضاً وكلاء المهدي في تلك الفترة: "حيث كان الشيعة يشكون بصدق دعواهم في (النيابة) ويتساءلون عن مصير الأموال التي يجبونها باسم (الإمام المهدي)، وكان بعض أدعياء النيابة يكذب بعضا، ويتهم كل فريق منهم الفريق الآخر بالدجل والشعوذة." ص148. ويضرب مثالاً لهذا الحالة: "وكان العبرتائي (احمد بن هلال شيخ الشيعة في بغداد) قد لعب دورا كبيرا في دعم دعوى عثمان بن سعيد العمري بالنيابة، وكان يأمل ان يوصي إليه من بعده، فلما أوصى إلى ابنه محمد، رفض ذلك وادعى هو النيابة لنفسه، مما يكشف عن التواطؤ والمصلحية في دعاوى (النيابة الخاصة)." ص158.

وعن مسألة رسائل المهدي التي يقول بعض العلماء إنهم تحصلوا عليها من المهدي كالشيخ المفيد والصدوق فالمؤلف يضعفها كلها ويشكك فيها، بل يجزم أنهم هم من كتبها. ويضيف المؤلف أنه قد بحث عن أية نسخة من رسائله أو تواقيعه ولم يجد واحدة بخط يده: "وكنت احسب في البداية، أو أفترض ان يكون الشيعة في تلك الأيام أو بالأخص (النواب الأربعة) أو الفقهاء أو المحدثون، قد اهتموا بالمحافظة عليها والعناية بها، فلم أجد لذلك أثرا، ووجدت غموضاً مريباً يلف هذا الموضوع." ص164.

أما عن الخط الذي يفترض أن تكون الرسائل أو التوقيعات قد دُونت به فهو أيضا يلفه الغموض والسرية والحرص على إخفائه وهو ما يعده المؤلف: "دليلاً إضافيا على عدم وجود (محمد بن الحسن العسكري) الذي ان كان موجودا فعلاً وكان مختفيا وغائبا لأسباب أمنية، لكان لجأ بصورة قاطعة إلى إثبات شخصيته عند الشيعة، وقيادتهم عبر الرسائل الموقعة التي لا تقبل الشك والنقاش." ص165.

وفي قضية الإجماع التي يعتمد عليها المؤمنون بالمهدي كدليل على وجوده فيقول: "... إذ لم يختلف الشيعة الامامية سابقاً في مسألة كما اختلفوا في موضوع (الخلف) حيث انقسموا بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، إلى أربع عشرة فرقة... ولم يقل بوجود وولادة وإمامة ومهدوية (محمد بن الحسن) إلا فرقة واحدة... وقد اختلفت هذه الفرقة أيضا فيما بينها على أقسام، وذلك حول اسم وهوية المهدي!". ص170.

أما عن الظروف السياسية خلال فترة الغيبة فيقول المؤلف إن لا مبرر لاختفاء المهدي عن السلطات العباسية كون الدولة في تلك الفترة كانت ضعيفة جداً وتعاني الكثير من المشاكل الداخلية والصراعات وانغماس بعض الخلفاء العباسيون باللهو والطرب: "فقد كان النظام يتفسخ ويتفتت" ص180. هذا فضلاً عن حدوث ثورات علوية عديدة ضد العباسيين نجحت بعضها لتستولي على بعض المدن، وتأسس حكومات شيعية كالثورات الإسماعيلية في اليمن وشمال أفريقا، إضافة لسيطرة البويهيين (الشيعة) على الحكم في بغداد: "إذا، فان الظروف المحيطة ب (الغيبة) من قبل ومن بعد، لم تكن تنطوي على أي مبرر للخوف والتقية، بحيث يخفي الإمام الحسن مولد ابنه ويكتمه بالمرة، ولم يكن من العسير على (محمد بن الحسن العسكري) لو كان موجوداً فعلا، ان يظهر هنا وهناك... ومن المعروف ان الحكام البويهيين (الشيعة المؤمنين به) طالبوا الشيخ المفيد ان يخرج ويحكم بدل الخليفة العباسي، كما خرج (المهدي الفاطمي) وحكم في شمال أفريقيا، بعد ان كان مستترا، فلم يحر جوابا، بعد تهافت حكاية التقية والخوف على نفسه من القتل." ص184.

ومن الأدلة الأخرى التي يسوقها المؤلف لإثبات طروحاته في عدم وجود المهدي هي مسألة علامات الظهور إذ إنها تتحدث عن علامات قديمة حدثت ولم يظهر المهدي. كالظهور أثناء الدولة العباسية أو بعد نهايتها، أو أنه سيفتح القسطنطينة والديلم والسند وكابل والخزر: "وكل هذه العلامات أو المهمات قد حدثت ولم يظهر المهدي الموعود... وتتحدث بعض الروايات عن علامات تعجيزية لا تحدث إلا يوم القيامة أو بعد زوال الدنيا." ص185 و ص186.

ويتناول الكتاب في جزءه الأخير موضوع تطور الفكر السياسي الشيعي في عصر الغيبة حيث يؤكد على أن ولاية الفقيه هي تطور على نظرية النيابة العامة إذ تصدى الفقهاء بأنفسهم للحكم، وتجاوز نظرية الانتظار. ثم يتحدث عن الثورة الإسلامية في إيران ورفض الخميني لنظرية الانتظار: "رفضا مطلقا، واسقط بالأدلة العقلية الأحاديث التي كانت تحرم العمل السياسي في ظل (الغيبة)، ولم يعبأ بها... واعتبر الإمام الخميني الفقهاء أوصياء للرسول (ص) من بعد الأئمة وفي حال غيابهم، وقد كلفوا بجميع ما كلف الأئمة (ع) بالقيام به." ص224 و ص229.

وفي خاتمة الكتاب يؤكد المؤلف على حقيقة كون النيابة العامة للإمام الغائب قد أكسبت فتاوى العلماء واجتهاداتهم الظنية صبغة دينية مقدسة ووجب على عامة الناس غير المجتهدين تقليد الفقهاء والطاعة لهم وحرمت عليهم مخالفتهم، وحالت دون مراقبتهم ومحاسبتهم مما أدى: "إلى قيام دكتاتورية باسم الدين، هنا وهناك، في بعض الأحيان." ص236. لكن هذا لا يعدم من سعي بعض الفقهاء من أجل تقديم فكر سياسي أفضل وبناء نظام سياسي: "أكثر حرية وعدلاً، فرفض كثير منهم فرضية النيابة العامة، وكذلك نظرية الولاية العامة والمطلقة للفقهاء، وقالوا بمبدأ الشورى وولاية الأمة على نفسها، ولم يتردد بعضهم عن إعلان تأييده للنظام الديمقراطي على أسس إسلامية". ص236.

 

كتاب (بحث حول المهدي)

أطلعتُ على هذا الكتيب أو البحث أول مرة في بداية التسعينيات. وكانت حينها من المجازفة تداول أي كتاب للفقيه محمد باقر الصدر (1935- 1980م) الذي أعدمه النظام البعثي، مع أخته (آمنة الصدر المعروفة ببنت الهدى) بتهمة التخابر مع إيران. والصدر مفكر شيعي بارز وهو من مؤسسي حزب الدعوة العراقي. له الكثير من المؤلفات الدينية أشهرهن كتب: (فلسفتنا، أقتصادنا، الأسس المنطقية للاستقراء). وبعد إعدامه صارت كل كتبه ممنوعة، قد يتعرض من يتداولها إلى عقوبة شديدة تصل إلى الإعدام. تحصلت على هذا الكتيب من صديق ثقة، ولشدة الحذر كان عليَّ إرجاعه إلى صاحبه بنفس اليوم. كانت مغامرة غير حكيمة حتماً، لكن يبدو أن رغبة القراءة المتنوعة، خصوصاً للكتب الممنوعة، كانت أقوى من مقصلة الرقيب البعثي. أما اليوم فإنك تجد هذا الكتيب متاحاً مثله مثل آلاف الكتب والمصادر على شبكة الإنترنيت، لا رقابة ولا سلطة فكرية من أي نوع.

جاء هذا المبحث بواقع أربعة وتسعين صفحة، وقد أنجزه المؤلف عام 1977م. هو عبارة عن مقدمة لكتاب من أربع مجلدات بعنوان (موسوعة الإمام المهدي) للمرجع الديني محمد محمد صادق الصدر. ومن الجدير ذكره أن الأخير هو ابن عم مؤلف هذا البحث (محمد باقر) ووالد مقتدي الصدر. وهو أيضاً كان قد اغتاله النظام البعثي، مع أثنين من ولده، بمدينة النجف عام 1999م بسبب معارضته للنظام.

يختلف هذا البحث عن غيره من المصادر التي تتناول موضوعة المهدي بأنه لا يعتمد على الروايات التاريخية لإثبات وجود المهدي بل يسعى للإجابة علمياً وفلسفياً على تساؤلات المشككين بوجوده. حيث جاء، إضافة للمقدمة، بثمانية أقسام عبارة عن أجوبة لأسئلة جوهرية تناقش هذه الموضوعة. وهي على التوالي:

·       كيف تأتّى للمهدي هذا العمر الطويل؟

·       المعجزة والعمر الطويل

·       لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره؟

·       كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

·       كيف نؤمن بأن المهدي قد وُجد؟

·       لماذا لم يظهر القائد إذن؟

·       وهل للفرد كل هذا الدور؟

·       ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟

يقول الصدر في مقدمة البحث عن المهدي إنه: "... واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وانساناً معيناً يعيش بيننا بلحمه ودمه نراه ويراها، ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا احزاننا وافراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد." ص10.

في جوابه على السؤال الأول المتعلق بإمكانية عيش الإنسان قروناً كثيرة يستعرض المؤلف ثلاثة إمكانات: (عملي، علمي، منطقي). بما يخص الإمكان العملي لإطالة عمر الإنسان يقول إنه: "ليس ممكناً امكاناً عملياً على نحو الإمكانات العلمية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً... لا تستطيع أن تمدد عمر الانسان مئات السنين." ص23. وما يتعلق بالإمكان العلمي يذكر المؤلف أنه لا يوجد ما يبرر رفض ذلك نظرياً حيث يمكن من هذه الناحية: "إذا عزلت الانسجة التي يتكون منها جسم الانسان عن تلك المؤثرات المعينة أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً." ص24، وهذا حصل، حسب المؤلف، في المختبرات العلمية حيث استطاع علماء الحيوان إطالة عمر بعض الحيوانات مئات المرات بالنسبة إلى أعمارها الطبيعية. أما عن الإمكان المنطقي أو الفلسفي فيقول إن ذلك ليس مستحيلاً من الناحية العقلية التجريدية كون الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع. ويستخلص من جوابه عن إمكانية إطالة عمر المهدي أنه: "بعد أن ثبت امكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى امكان عملي تدريجياً لا يبقى للاستغراب محتوى الى استبعاد ان يسبق المهدي العلم نفسه، فيتحول الإمكان النظري الى امكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية على هذا التحول.. انه ليس ذلك هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حركة العلم. أو ليست الشريعة الإسلامية ككل، قد سبقت حركة العلم والتطور الطبيعي للفكر الإنساني قروناً عديدة؟" ص27. وينهي إجابته على سؤال العمر الطويل بسؤال: "فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام على أقل تقدير ولا نقبل المهدي؟" ص30.

ثم يعود في القسم اللاحق ليؤكد إمكانية حدوث إطالة العمر لأكثر من ألف عام حتى لو لم تكن ممكنة علمياً وذلك بحدوث معجزة إلهية تتكفل بتعطيل قانون الطبيعة: "وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها، أو غريبة على عقيدة المسلم المستمد من نص القرآن والسنة... كثير من القوانين الطبيعية التي عطلت لحماية اشخاص من الأنبياء وحجج الله على الأرض ففلق البحر لموسى، وشبه للرومان انهم قبضوا على عيسى ولم يكونوا قد قبضوا عليه، وخرج النبي محمد (ص) من داره وهي محفوفه بحشود قريش التي ظلت ساعات تتربص به لتهجم عليه، فستره الله تعالى عن عيونهم وهو يمشي بينهم." ص34.

وفي الإجابة على السؤال الثاني المتعلق بالحرص على هذا الإنسان بالذات من قبل الله فتتعطل من أجله القوانين الطبيعية يقول: "لما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم بالجور، تغييراً شاملاً بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدالها بحضارة العدل والحق." ص44. ويؤكد على أنه من الضروري لهذا الإنسان أن يزامن كل الحضارات ويراها بعينه، ولم يقرأ عنها في كتب التاريخ. وعليه يكون: "من الطبيعي أن تتطلب العملية في هذه الحالة قائداً قريباً من مصادر الإسلام الأولى." ص48.

وعن رده على الكيفية التي تم بها إعداد القائد المنتظر وهو لم يعاصر أباه إلا خمس سنوات يقول الصدر: "إن المهدي (ع) خلَّف أباه في امامة المسلمين، وهذا يعني انه كان اماماً بكل ما في الامامة من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر جداً." ص51. ويدرح عدة نقاط لتوضيح ظاهرة الإمامة المبكرة:

·       لم تكن الامامة تنتقل بالوارثة بل هي تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلقل الروحي والاقناع الفكري لتلك القواعد.

·       هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق.

·       شروط هذه المدرسة والقواعد التي تمثلها شديدة في مسألة تعيين الإمام والتعرف على كفاءته، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماماً إلا إذا كان أعلم علماء عصره.

·       بسب القمع الذي كان يتعرض له الأئمة على يد سلطات الخلافة فإن إمامة أئمة أهل البيت كان يكلفهم غالياً ولم يكن له من الاغراءات سوى ما يحس به المعتقد.

·       التفاعل المستمر والواضح بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي.

·       الخلافة المعاصرة للأئمة كانت تنظر إليهم وإلى زعاماتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها.

ولهذه الأسباب يرى المؤلف أن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً: "لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع لابد أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد." ص57. ويستشهد لإثبات هذه النتيجة بالآية القرآنية: "يا يحى خذ الكتاب بقوة وآتنياه الحكم صبيا". ص60. وبهذا يتوصل الصدر إلى نتيجة مفادها ألا يكون هناك مبرراً للاعتراض على إمامة المهدي وهو طفل.

في السؤال الرابع المتعلق عن إمكانية وجود المهدي يقول إن كثرة الأحاديث والروايات التي تؤكد على وجوده دليل كاف على إثبات ذلك: "قد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (ص) من طرق إخواننا أهل السنة كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية." ص64. وفي هذا الصدد يطرح الصدر دليلين لتبرير تجسيد فكرة الإمام الثاني عشر: (إسلامي وعلمي). الدليل الإسلامي، يتمثل في مئات الروايات صحيحة السند الواردة عن النبي محمد وأئمة أهل البيت والتي تدل على تعيين المهدي وكونه من أهل البيت ومن ذرية الحسين. وأما الدليل العلمي، فهو يتكون من تجربة الغيبة الصغرى التي عاشتها الشيعة لسبعين سنة تقريباً. وهذه الغيبة كانت بمثابة تمهيد، وفق ما يطرح المؤلف، لكي تألف القواعد العامة قضية غياب الإمام بالتدرج، وهي قد: "حصنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام." ص67.

عن سؤال: لماذا لم يظهر القائد إذن؟ يجيب الصدر بأن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط وظروف موضوعية وبدونها لا يمكن تحقيق أهداف هذه العملية. ومن أهم هذه الظروف اللازمة لخروج المهدي هي: "فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملاً أساسياً في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة." ص80، حيث يكون الإنسان حينها في حاجة: "إلى العون، متلفتاً بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول." ص80. ومن الناحية المادية يقول المؤلف إن شروط الحياة الحديثة هي أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر الغيبة الصغرى على انجاز الرسالة في العالم كله لما يتوفر الآن من وسائل تقنية حديثة.

وهل للفرد مهما كان عظيماً القدرة على انجاز هذا الدور العظيم؟ يجيب الصدر على هذا التساؤل بتوضيح وجهة نظره للتاريخ والتي ترتكز على مبدأ أن التاريخ يحتوي على قطبين: (الإنسان والقوى المادية المحيطة). فكما تؤثر القوى المادية في الإنسان يؤثر الإنسان فيما حوله من ظروف: "... فالإنسان والمادة يتفاعلان على مر الزمن وفي هذا الإطار بإمكان الفرد أن يكون أكبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين ندخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء. فإن هذه الصلة تدخل حينئذٍ كقوة موجهة لحركة التاريخ." ص86. وهذا، حسب المؤلف، ما تحقق في تاريخ النبوات وخصوصاً في تاريخ النبوة الخاتمة: "وما أمكن أن يقع على يد الرسول الأعظم يمكن أن يقع على يد القائد المنتظر." ص86.

السؤال الأخير الذي يجيب عنه الصدر هو: (ماهي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟) حيث يقول إن تحديد الإجابة يرتبط بمعرفة الوقت وخصائص المرحلة التي يظهر فيها المهدي: "وما دمنا نجهل المرحلة ولا نعرف شيئاً عن ملابساتها وظروفها فلا يمكن التنبؤ العلمي بما سيقع في اليوم الموعود." ص89. ويضيف فيما بعد قائلاً: "وهناك افتراض أساسي واحد بالإمكان قبوله على ضوء الأحاديث التي تحدثت عنه والتجارب التي لوحظت لعمليات التغيير الكبرى في التاريخ، وهو افتراض ظهور المهدي (ع) في أعقاب فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة وأزمة حضارية خانقة... هي نتيجة طبيعية لتناقضات التاريخ المنقطع عن الله- سبحانه وتعالى- التي لا تجد لها في نهاية المطاف حلاً حاسماً." ص90.



خاتمة

ختاماً أود الإشارة إلى أنه علاوة على قراءة هذه الكتب الأربعة، كنت قد أطلعت على فصول متفرقة لكتب أخرى كالجزء الحادي والخمسون من كتاب (بحار الأنوار) للعلامة محمد باقر المجلسي الأصفهاني (1627م -1699م)، والجزء الأول من كتاب (رسائل في الغيبة) للشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (947م – 1022م)، وكتاب (المتنبي يستعيد أباه) للكاتب العراقي عبد الغني الملاح (1920م -2000م). وهذا الكتاب الأخير يتحدث عن نسب الشاعر أبو الطيب المتنبي الذي يقول إنه ابن المهدي من (جارية) كان قد تزوجها سراً في مدينة الكوفة عندما كان في عمر ستة وأربعين عاماً. ويعتقد المؤلف أن المهدي قد توفي قبيل موت النائب الرابع (السمري) في عام 329ه: "فهي (الغيبة الصغرى)- اذن- إما تمثل عمر الامام محمد المهدي وإما تمثل الفترة الزمنية التي أختفيت فيها نشاطاته السياسية والمذهبية وانتهت بموت وكيله الأخير. وربما يكون الامام محمد المهدي قد توفي قبل هذا التاريخ ولكن تلك الوفاة كانت قطعاً ضمن الفترة التي عاشها أبو الحسن علي بن محمد السمري وكيلاً للإمام مابين عامي 326 – 329 ولم ير من مصلحة (القضية) التي تخص المسلمين ومستقبلهم وتجمعهم حول (الامام المنتظر وظهوره) ليملأ الأرض عدلاً بعد ان ملئت جوراً اعلان ذلك، إذ أن إعلان وفاة الإمام محمد المهدي في ذلك الظرف الحرج، لا شك يمزق جوهر القضية. وان المؤشر المنطقي لهذه الاستنتاج تنهدات الوكيل الطويلة عندما حضرته الوفاة، وقوله ذو المغزى العميق (لله أمر هو بالغه)." ص52.

وأطلعت كذلك على عدة مقالات متنوعة حول المهدي، مع مشاهدة بعض المحاضرات على موقع يوتيوب أهمها كان قسماً من سلسلة محاضرات (الأطروحة المهدوية) للمرجع الشيعي كمال الحيدري (عشرين حلقة)، وحواراً بعشر حلقات بين الباحث أحمد الكاتب وآية الله علي الكوراني على قناة المستقلة. وبالتأكيد هناك الكثير الكثير من المراجع المهمة التي تسلط الضوء على فكرة المهدي المنتظر من الضروري مطالعتها أيضاً.

وقد استعرضت أعلاه هذه الكتب، التي توفرت لي فرصة مطالعتها، والتي تتناول موضوع المهدي من جوانب مختلفة ومتناقضة (مع وضد)، بتقريرية مجردة من دون أي تحليل أو تعليق شخصي، وهدفي الأساس هو وضع أهم ماجاء فيهن من أفكار أمام أنظار القارئ غير المختص سعياً لتوسيع مداركه حول هذا الموضوع المهم. فلم أرتأي التعليق على غرائبية بعض الروايات أحتراماً لعقيدة الذين يؤمنون بالمهدي نظراً لحساسية هذه العقيدة عند معتنقيها، فلدي تجارب شخصية في هذا المضمار. وهنا أجد من الضروري التأكيد مرة أخرى على أن مسألة التقديس هي نسبية فما تراه أنت مقدساً قد يراه غيرك العكس. وفي الواقع أن ما يجعل هذا المعتقد أو ذاك محترماً عند الأغلبية، بما فيهم الذين لا يؤمنون به، هو قوة انتشاره في ذلك المكان. فمثلاً، لو كنت تعيش في الهند وترى الهندوس يبجلون البقرة ويمنحونها مكانة مهمة قد تصل للتقديس، سوف لا تتجرأ أن تسخر من هكذا طقوس أمامهم. لكنك قد تهزأ بهم لو كنت في مكان آخر. بل قد تكفرهم (إن كنت مسلماً مثلاً) لأنهم وثنيون وفق قناعاتك الدينية، وربما قد تحط من مستوى تفكيرهم رغم أن ديانتهم هي الديانة الثالثة بعد المسيحية والإسلام (يقدر عدد معتنقيها بأكثر من مليار شخص حسب وكيبيديا). وذات الشيء ينطبق على طقوسك ومقدساتك. يسرى هذا الحال على جميع الديانات والمعتقدات حتى أكثرها غرابة، كالديانة المارادونية مثلاً، حيث يقدس أتباعها لاعب كرة القدم مارادونا. ولديهم كنيسة في الأرنجنتين تسمى (الكنيسية المارادونية Iglesia Maradoniana )، ويحتفل أتباعها ب (كريسمس ماراونا) في الثلاثين من شهر تشرين الأول من كل عام، وهو عيد ميلاد مارادونا.

بعد هذه الجولة الفكرية المتواضعة يمكنني القول إنني قد أشبعت نسبة كبيرة من فضولي وألقيت بعض الضوء على شخصية المهدي عند الشيعة الاثني عشرية. ويمكنني القول إنني فهمت بدرجة لا بأس بها فكرة المهدي التي تعد من الأفكار المحورية  في عقيدتهم. ولهذا نجد تأثيرها القوي في مجتمع الشيعة حيث يوجد طقس ديني يمارسونه، وهو زيارة مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس في كربلاء في النصف من شعبان كل عام تخليداً ليوم ميلاده. وهذا الطقس يسمى ب (الزيارة الشعبانية)، يؤديه الملايين ليس من شيعة العراق فحسب بل من شيعة الدول الأخرى أيضاً.

والذين يؤمنون بوجود المهدي يتمنون ظهوره عاجلاً، حيث يلحقون عبارة: (عجل الله فرجه) بعد ذكر اسمه، مع وضع اليد اليمنى على الرأس. ومنهم من يقول بوجوب الوقوف احتراماً لمقامه. وقد تسمع أحياناً عبارة: (وعجل فرجهم) بعد ترديد الصلاة على محمد النبي: (اللهم صل على محمدٍ وآلِ محمد)، وأحياناً تسمع من يضيف عبارة أخرى عليها: (وألعن عدوهم). أما أتباع مقتدى الصدر فيقولون الصلاة على النبي بالشكل التالي: (اللهم صل على محمد وآل محمد وألعن عدوهم وأنصر ولدهم مقتدى، مقتدى، مقتدى).