محاولة في فهم المهدي المنتظر (1)

 


 (1-5)

تمهيد

قبل فترة تولدت لدي رغبة في التعرف على شخصية الإمام الثاني عشر عند الشيعة محمد بن الحسن العسكري، الملقب بالإمام الغائب، وكذلك لفهم فكرة انتظار المنقذ والغيبة عند الشيعة الإثني عشرية حصراً (وليس كما تراه السنة أو الطوائف الإسلامية الأخرى). وهذه الرغبة لم تأت إعتباطاً، بل أحسبها ضرورة للوقوف على واحدة من أهم الشخصيات المقدسة عند الشيعة، إذ تعتبر من صميم العقيدة الشيعية، بل يعد عدم الإيمان بها ووجودها تاريخياً نسفاً لفكرة الإمامة أو القيادة السياسية الدينية. إضافة إلى ذلك، لما صارت لهذه الشخصية من حضور فاعل وتأثير قوي في عراق مابعد الغزو الأمريكي. وهذا التأثير لم يكن فقط على المواطن العراقي فحسب بل أيضاً على المشهد السياسي ككل. فقد تم تشكيل جيش باسم المهدي كان يقاتل الأمريكان في بداية أعوام الاحتلال، زيادة على دوره البارز في الحرب الطائفية خلال الأعوام 2006 / 2007م. لكن هذا الجيش تمت تجميد عملياته بأمر زعيمه مقتدى الصدر، وقد أنتبثقت فصائل مسلحة أخرى عنه. لينخرط بعدها التيار الصدري في العملية السياسية محتفظاً بسلاحه وجنوده الذين تشكلوا في فصيل مسلح تحت تسمية أخرى: (سرايا السلام)، وهو الجناح العسكري للتيار. حيث صارت له نواب في البرلمان ووزراء ومدراء عامين وجامعات أهلية ووسائل إعلامية وغيره. ويسعى التيار حالياً لتسلم أهم منصب في العراق، رئاسة الوزراء، وبالتالي القيادة العامة للقوات المسلحة، بعد حصوله على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية في إنتخابات عام 2021م.

 توجد أيضاً جماعة مسلحة أخرى يقودها (أحمد الحسن اليماني) ويدعي أنه (ابن المهدي ورسوله) ويطلق على أتباعه لقب (جند السماء). خاضت هذه الجماعة أكثر من معركة ضد الحكومة العراقية في محافظات الجنوب، أكبرها كانت في قرية (الزركة) بالقرب من محافظة النجف، حيث قتل من أتباع اليماني أو (قاضي السماء) مايقارب السبعين عنصراً كانوا (ينوون قتل المراجع الشيعة) حسب الرواية الحكومية. ترى هذه الجماعة أن صاحبهم هو إمام معصوم لذا يلحقون اسمه بعبارة: (عليه السلام)، ولهم قناة فضائية هي (المنقذ العالمي).

وهناك أيضا جماعات صغيرة أخرى تدعى العمل على تهيئة ظهور (الحجة) والإعداد ل (اليوم الموعود) الذي سيظهر فيه (صاحب الزمان) ل (يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جورا).

لهذا الأسباب تعاظم فضولي للغوص عميقاً كي أتعرف أكثر على هذه الشخصية. حينها كان خزيني المعلوماتي عن المهدي لا يتعدى كتيب صغير قرأته في بداية تسعينيات القرن الماضي يجيب فيه عن تساؤلات من يشكك بالمهدي، إضافة لروايات التعظيم والتقديس التي كان أهلي يزقونها في ذهني. فبدأت رحلة التنقيب حيث وضعت قائمة طويلة بالمصادر التي يجب الإطلاع عليها لفهم فكرة غيبة الإمام المهدي من مصادر متنوعة أولاً، وللتعرف على اللحظة التاريخية التي أنتجت هذه الفكرة في القرن الثالث الهجري ثانياً. وقد أطلعت للآن على أربعة كتب فقط وعدة فصول من كتب أخرى وبعض المقالات، فضلاً عن مشاهدة محاضرات وحوارات فكرية على موقع (يوتوب). وأود هنا أن أستعرض هذه الكتب بشكل تقريري بدون تدخل (فهي قد تجيب بعضها البعض) لغرض تقديم ملخص سريع لأهم ما جاء فيهن. ولا تعنيني هنا قضية محاورة الأفكار أو تحليلها أو مناقشة دقة مخرجاتها العلمية أو غرائبية الروايات الورادة فيهن. فما قد نراه غرائبياً وغير معقول يراه الآخر معجزة ربانية تشبه المعجزات الأخرى التي يؤمن بها، حتماً، كانتقال محمد النبي من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى على ظهر دابة ثم عودته بليلة واحدة ومعراجه إلى السماء بنفس اللية، ومعجزة ضرب موسى البحر بعصاه ليعبر هو وقومه إلى الضفة الأخرى ثم يغرق بعدها أتباع فرعون الذين كانوا يطاردوهم، ومكوث يونس في بطن الحوت لثلاثة أيام (وفي رواية أخرى لأربعين يوماً!) ونجاته لأنه كان يُسبح باسم الله، وإحياء عيسى للموتى وغيرها من الخوارق. فمن حق أي شخص الإعتقاد بأي معتقد يرغب اعتناقه طالما أنه لا يفرضه على الآخرين، ولا يكفرهم أو يعاملهم بدونية لأنهم لا يشاركونه اعتقاداته، ولا يؤثر على المجتمع الذي يعيش فيه، ولا يتجاوز على القانون أوالسلم الأهلي.

في ذات الوقت، من حق أي شخص مناقشة أي معتقد روحي أو مادي بمنهجية وعلمية بعيداً عن الإستخفاف أو التجريح. فالآلهة والأنبياء والرسل والشخصيات الدينية والتاريخية والسياسية والأفكار الآيدلوجية والمعتقدادت هي مواضيع إنسانية عامة يجب أن تكون خاضعة للبحث العلمي والتمحيص والنقد الأكاديمي بدون خطوط حمر تضرب حولها.

فلا يجوز لأتباع هذه الشخصية أو تلك أن يفرضوا وجهة نظرهم المقدسة على الآخرين. فإذا تجنب الباحث انتقاد هذه الشخصيات من باب عدم المساس بقدسيتها عند البعض، حينها سوف لا يجد الباحث أي شخصية تاريخية يدرسها دون الاصطدام بجدار القدسية، سيما الشخصيات الدينية. فحتى أكثر الشخصيات المتفق على سيرتها الدموية وانتهاكها لحقوق الإنسان تجد هناك من يراها العكس، بل ويضفي عليها هالة من القدسية. وهناك من لا يتردد بقتلك أو تكفيرك أو لعنك أو شتمك أو نعتك بالرافضي أحياناً وبالناصبي أحياناً أخرى، لا لشي إلا لأنك لا تتناغم مع تبجيله لشخصياته المقدسة. لدينا شواهد كثيرة حديثة على قتل أو الدعوة لقتل من يختلف في الرأي كان قد دعى إليها أو قام بها متطرفون مسلمون، أقربها إلى الذهن هي فتوى الخميني بالقصاص من سليمان رشدي، وكذلك قتل الباحث المصري فرج فودة على يدي السلفيين وغيرها من الشواهد. أما في عصر الخلافة الإسلامية فالشواهد أكثر بكثير.                                                                                                                                                                                                            

 

يتبع

 موقع الحوار المتمدن